الكتابة للصوت كيف تحول "الفكرة المكتوبة" إلى بودكاست قابل للأستماع

عزيزي البودكاستر المستقبلي اليوم سوف نبدأ رحلة طويلة في عالم "الكتابة للصوت"، لكن دعني أصف ما يحدث لك حالا وانت تقرأ هذا المقال؟ بالتأكيد رأسك مفعم بأفكار لا نهاية لها، هناك عشرات الكلمات تتدافع في عقلك وتريد منك أن تكتبها لتسجلها بعد ذلك. في هذه اللحظة أنت تحلم بصوتك يتردد عبر السماعات لكي يتعلق به آلاف من المستمعين.. إذا كان هذا ما تفكر به فاستعد لكي نتخلص منه تدريجيا، إن رحلة تحويل النص المكتوب إلى نص صوتي هي نوع من أنواع "القتل الجميل" فهل أنت مستعد لكي تصبح قاتل متسلسل يحبه الجمهور؟ إذا هيا بنا نرتب خطواتنا سويا. ونجيب عن سؤالين مهمين حول الفرق بين الكتابة للمحتوى المقروء والكتابة للمحتوى المسموع؟ ثم نتعرف سريعا على عناصر كتابة القصة الصوتية أو سكريبت الصوت؟
جمهور المحتوى الصوتي
دعنا نعترف أن البودكاست فكرة مغرية للجميع سواء كنت كاتبا أو لديك فكرة أو تجربة تريد مشاركتها، لكن أول شيء يجب أن تكون مدركاً له جيدا هو أن مستمعين البودكاست هم أصعب جمهور يمكن تقديم المحتوى له، على عكس جمهور الفيديو أو القراءة المكتوبة، فالإنسان عدو ما يجهله وعندما تقدم محتوى صوتي فأنت تقدم الكثير من الأشياء المجهولة أولها تعابير وجهك، أو المكان والزمان الذي تتحدث من خلالهما، فإذا كان الجمهور لديه صبر لكي يقرأ ويكشتف المجهول أو كان هناك شيء في الفيديو يعطيه لمحة لما هو مقبل عليه فإنه لن يفعل ذلك مع البودكاست. فإذا لم يكن المستمع قادرا على أن يعرف التجربة التي سوف يقبل على الأستماع إليها خلال الدقيقة الأولى فسوف تفقده للأبد.
لذا فبعد أن تفكر في البودكاست وتضع كل القواعد التي لها علاقة بالفكرة والتسويق والجمهور لابد أن تكون الخطة التالية هي كيفية تحويل الفكرة إلى فكرة قابلة لأن تكون جاذبة "صوتيا". .. وهنا حان وقت الإجابة على الأسئلة التي ذكرناها في أول المقال.
ما الفرق بين الكتابة المقروءة والكتابة للصوت؟
طبيعة الجمهور
تكلمنا في الفقرة السابقة عن طبيعة الجمهور لكل محتوى، لكن دعونا نُفند الأمر بعض الشيء لكي تستطيع أن تدرك جيدا الفرق بين الجمهورين، فعندما يبدأ القارئ في مقال أو قصة أو كتاب فإنه سوف يقرأ العنوان ثم يأخذ جولة سريعة على العناوين الفرعية ثم يتفحص بشكل سريع أسطر متفرقة، في هذه العملية سوف يقرر ما إذا كان سيكمل ما بدأه أم لا، ومعظم جمهور القراءة لديهم شجاعة لقراءة المقال حتى لو لم يعجبهم فهم عادة ما يحاولون تكوين عقلية نقدية تجاه ما يقرأوان لذا فالصبر هنا عامل متوفر وفي صالح الكاتب.
لكن الخبر السيء أن جمهور البودكاست أو المحتوى الصوتي على النقيض بدرجة كبيرة. فهذا الجمهور يريد أن في أول دقيقة أن تقدم له "عرض" أي شيء يقنعه بأن قراره بترك آلاف البرامج وبدء الاستماع إلى برنامجك قرار صحيح، فهو جمهور يبحث عن صفقة "سريعة-مغرية-مفيدة".. وهنا سوف نضرب أول مثال؛ إذا كان لديك الصبر لكي تقرأ كل السطور السابقة فعندما تفكر في تحويل ما تحدثنا فيه إلى محتوى صوتي فتأكد أنك مضطر لحذف نصف الكلمات و إعادة صياغة الأمر.
ومن هنا دعنا ننتطلق للفرق الثاني بين الكتابة الصوتية والمقروءة.
التنسيق
عملية الكتابة للمحتوى المقروء تعتمد على وجود تنسيق، بمعنى يمكنك أن تفرق بين العنوان الرئيسي والعنوان الفرعي، هناك فصلات ونقاط تحدد لك متى تنتهي الجملة ومتى تنتهي الفقرة. لكن هذه الإمكانية لا توجد في الكتابة الصوتية، وهنا سوف تعتمد على صوتك وعلى بعض العناصر الأخرى لكي يفهم القارىء من أين بدأت ومتى أنتهيت وما هي النقطة التي تتحدث فيها.
حالة المتابعة
القارئ عندما يقرر أن يتابع أي مقال أو قطعة مكتوبة فهو سوف يجلس ويضع نفسه في حالة تركيز لكي يقرأ، في الحقيقة الكاتب هنا محظوظ، على العكس من جمهور المحتوى الصوتي فهو جمهور مشغول يريد أن يسمعك خلال أنتقاله بالسيارة، خلال تحضير كوب من القهوة في المطبخ أو خلال الحصول على استراحة من العمل، لذا فعليك أن تكون دقيقا فيما تريد إيصاله ودقيقا في طريقة إيصاله. أنت في النهاية تريد أن تنتج محتوى يطلق عليه "صديق للأذن"
الوصف الكلمات والأصوات
الكتابة المقروءة تعتمد بدرجة كبيرة على الوصف سواء الوصف المادي أو وصف المشاعر بالكلمات، فمثلا يقول الكاتب "كنت أسير وسط الجماهير الكثيرة وعلى وجوههم حالة من الغضب".. لكن عندما تبدأ في كتابة محتوى صوتي فربما تكون الجملة السابقة مناسبة إذا كنت لا تريد بذل مجهود، لكن إذا أردت أن تصبح كاتب صوتي فهذه الجملة سوف تتحول إلى تسجيل "واقعي أو تمثيلي" لمجموعة من الاشخاص تتحدث بغضب عن الفكرة، وعليك أن تصقل الفكرة بوجود أصوات أخرى في الشارع أو أصوات توضح ما هو الشارع الذي يسيرون فيه، وسوف نتحدث عن هذا الأمر بشكل تفصيلي فيما بعد. فيما يسمى بالـ ambince لكن الآن فلننتقل إلى السؤال الثاني حول عناصر القصة الصوتية.
ما هي عناصر القصة الصوتية الـ content?
هناك الكثير من العناصر التي يمكن أن تضمها القصص الصوتية المختلفة، لكن بعد الكثير من الإحصائيات وجد المتخصصون في كتابة الصوت أن أكثر القصص التي تجذب الجماهير هي التي تتكون من العناصر الأساسية التالية:
- البناء The structure
- الجو العام The ambince
- المؤثرات الصوتية Sound effects
ومهما قررت أن تضيف إلى قصتك فلابد أن تتأكد أن العناصر الثلاثة موجودين بها. ودعنا نأخذ نظرة سريعة على تعريف كل منهم وخلال رحلتنا القادمة سوف نتعرف على كل منهم بشكل تفصيلي.
بناء القصة
هو الإطار العام الذي يتم فيه ترتيب الأفكار أو الأحداث الذي سوف يتم طرحها خلال البودكاست، حيث أن هذا الترتيب يساعد المستمع على التواصل والمتابعة ويقلل من التشتت الذي يمكن أن يمر به، إنه بمثابة طرح سؤال ومنح خارطة للسير من أجل الحصول على الإجابة. يمكنك أن تبني قصتك بعشرات الطرق فهذه طريقتك، لكن لا يمكنك أن تبدأ القصة بدون بناء.
الجو العام
سوف أطلب منك طلبا صغيرا، أغمض عينك لكي أخذك معي في رحلة، أنت الآن في مكان تستمع فيه إلى صوت قطار وصوت زحف الناس على الارض وهناك صوت ينطلق من ميكروفون كبير يقول ان هناك قطار على وشك الوصول، في هذه الحالة أدركت -بالصوت فقط- أنك في محطة قطارات.في جزء من الرحلة ستسمع فجأة صوت شديد يدل على أحتكاك القبضان بعجلات القطار، ثم صوت إنزعاج الناس وأسئلتهم وبعض الهمهات البسيطة، وفجأة يسود هدوء لتسمع صوت تدفق مياه، هنا انت أدركت أن هناك شيء جعل القطار يتوقف في منطقة قريبة من نهر أو بحيرة لكن الحادث غير كبير. لكن إذا تحول صوت الناس إلى صراخ وبكاء فهذا دليل أن شيء عظيم حدث. هذا هو الجو العام، أنت تخلق بالصوت الشيء الذي تريد من المستمع أن يتخيله ويستنجه بدلا من أن تحكي عنك.
المؤثرات الصوتية
المؤثرات الصوتية هي جزء من الجو العام، وأحيانا تكون منفصلة، يمكن أن تعتمد فيها على الموسيقى أو المقاطع المسجلة أو على أنماط جاهزة مثل صوت طفل يبكي، صوت قطار، صوت زحام أو جرس الهاتف. المؤثرات الصوتية ضرورية لكن وضعها في أماكنها الصحيحة أمر هام للغاية لكي لا تبدو مقحمة أو متعمدة. وهذا أيضا سوف نتحدث عنه بالتفصيل في المقالات القادمة.
اليوم بدأنا خطواتنا نحو هذا العالم بجولة سريعة، لكن في كل تفصيلة عشرات التفاصيل، لذا إذا كنت متحمسا لإكمال الرحلة دعنا في المقال التالي نتحدث عن بناء القصة الصوتية وعناصرها وما هي الأشياء التي من المهم أن نفكر فيها عند بناء القصة.
كتبت : أمنية الحفناوى